دعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو- الدول الأعضاء، وعددها أربع وخمسون دولة، في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية، الذي يصادف اليوم الثامن من شهر سبتمبر كل سنة، إلى تعزيز قدراتها وتضافر جهودها على مسار محو الأمية، الذي انطلق من توصيات المنتـدى العالمي للتربية المنعقـد في داكار عام 2000، وذلك من أجل اعتماد مقاربة جديدة لتحقيق مبدأ التربية للجميع، مع إدماج البرامج الخاصة بمحو الأمية في صلب أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030، والخاص بـ (تعزيز النمو الاقتصادي المستمر والشامل والمستدام للجميع، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع).
وأشار بيان الإيسيسكو إلى أن الدراسات التي قام بها خبراؤها والتقارير المتخصصة التي أعـدّوها في إطار الرؤية الجديدة للمنظمة، تؤكد على الارتباطَ القويَّ بين التربية والنمو الاقتصادي، حيث تـعـدّ التربية عاملاً من عوامل الإنتاج التي تساهم بشكل كبير في زيادة وتيرة النمو الاقتصادي، إذ يتم الربط بين متوسط مستوى تعليم السكان وبين النمو السنوي للناتج الداخلي الخام للفرد.
وجاء في البيان أن تحليل أوجه العلاقة القائمة بين محو الأمية وقطاع العمل والنمو الاقتصادي، يكشف عن أن شريحة واسعة من السكان النشيطين، لاسيما في قطاعَي الزراعة والصيد البحري، لا تستفيد بالشكل المطلوب من خدمات التربية، وفي مقدمتها محو الأمية والتربية غير النظامية، وهو ما يمنعها من التطوير الكامل لمهاراتها، ومن تحسين تنافسيتها لتحظى بالتقدير في قطاع العمل.
وأوضح البيان أن العلاقة بين محو الأمية وقطاع التدريب الفنّي والمهني الذي من شأنه تأهيل الموارد البشرية وتعزيز فرص العمل والإنتاج بين المتحررين من الأمية، تظل غير واضحة المعالم في عدد من الدول الأعضاء، ودعا إلى اعتماد الإجراءاتِ الفعالةَ الملائمة على مستوى سياسات محو الأمية وممارساتها، بارتباط وثيق مع قطاعَيْ التدريب المهني والاقتصاد، والربط بين الخطط الوطنية لمحو الأمية وبين نظيراتها في مجال التنمية في القطاعات الاقتصادية كافة.
ودعت الإيسيسكو انطلاقاً من الرؤية الجديدة التي تعتمدها، إلى أن تستند برامج محو الأمية والتربية غير النظامية في أوساط الكبار والمراهقين غير المتمدرسين والمنقطعين عن الدراسة، إلى المرجعيات الخاصة بمهارات الحياة اليومية للمستفيدين، وأن تركز على سوق العمل في عدد من الميادين، من بينها الزراعة، وتربية الماشية، والصيد البحري، والصناعة التقليدية، والموارد الطاقية والمعدنية، حتى يكون لوحدات التدريب المرتكزة على الأنشطة المدرة للدخل لفائدة النساء، والمشفوعة بإجراءات الدعم لما بعد الإدماج، الأثـرُ الملموس في تعزيز فرص العمل والنمو الاقتصادي في أوساط النساء.
وأوصت الإيسيسكو الدول الأعضاء بتعزيز نظم محو الأمية والتربية غير النظامية بمؤشرات عالية الجودة في مجال المتابعة والتقييم، وبإنشاء مساقات دراسية بين برامج محو الأمية والتدريب المهني والتقني، وبين نظام التربية النظامية، وبإرساء شراكة فاعلة بين قطاع محو الأمية والتدريب المهني وأرباب العمل، من أجل الاستجابة للاحتياجات الحالية والمستقبلية لمتطلبات العمل.
وفي ضوء الرؤية الجديدة للإيسيسكو، دعت المنظمة إلى ضرورة مواكبة الحركية الحديثة لقطاع العمل والمتميز بالتنافسية العالمية وعولمة الأسواق، حيث أصبح، كما جاء في البيان، لزاماً في ظل إرساء تكنولوجيا المعلومات والاتصال واستخدامها في مجال العمل، مراعاة البُعـد المتعلق بمحو الأمية الرقمية، حتى يتم الدمج بين تعلم المعارف الضرورية في القراءة والكتابة والحساب، واستخدام التكنولوجيات الحديثة بوصفها أدواتٍ للعمل المنتِج.
وأوصت الإيسيسكو بإدماج البعد الخاص بملاءمة بيئة العمل في التدريب في برامج محو الأمية، بحيث يتلقى العمال والمتعلمون المتطلباتِ الجديدةَ للتأهيل المهني التي تشمل معايير الجودة والسلامة، مع إعادة هيكلة العمل وطرق الإنتاج ذات العلاقة مع الأدوات المعلوماتية.
وأكدت الإيسيسكو في بيانها أن تعزيز النمو الشامل والمستدام، وتأمين العمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع، كل ذلك يندرج في إطار فلسفة التنمية البشرية المستدامة التي تتعدى مجرد النمو الاقتصادي، مع ما ينطوي عليه من احتمال حدوث فوارق على الصعيدين الاقتصادي والمجتمعي، مؤكدةً على وجوب أن تهدف برامج محو الأمية، في توجهها نحو تحقيق النمو والإنتاجية، إلى تأكيد طابع الشمول من خلال مراعاة الفئات المهمشة المتمثلة في النساء وذوي الاحتياجات الخاصة وسكان الأرياف والمناطق النائية ومناطق النزاع وغيرها.
وشـدّد بيان الإيسيسكو على ضرورة تجاوز استراتيجيات محو الأمية ضمن السياسات الوطنية، للمفهوم التقليدي للاقتصاد، وأن تنخرط في حركية (النمو الأخضر)، وتهدف إلى دعم (التماسك الاجتماعي)، مع النهوض بالقطاعات الاقتصادية للتنمية، من خلال إدماج أبعاد التربية البيئية، والتربية الصحية، ورفاهية السكان، والتربية على المواطنة، وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، وغيرها من المفاهيم الحديثة، في مرحلة ما بعد الأمية، وصولاً إلى تحقيق الجدوى من سياسات محو الأمية في دول العالم الإسلامي، باعتبارها المدخل إلى مجتمع الوفرة والتقدم والازدهار.