الإيسيسكو في مهرجان الفارابي الدولي بطهران : الفارابي قمة في النبوغ وعلم من أعلام الحضارة الإسلامية المبدعة للفكر المستنير والبانية للتقدم
28 يناير 2019
طهران:2019/01/27
الإيسيسكو في مهرجان الفارابي الدولي بطهران : الفارابي قمة في النبوغ وعلم من أعلام الحضارة الإسلامية المبدعة للفكر المستنير والبانية للتقدم
تشارك المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو- في مهرجان الفارابي الدولي الذي اختتم اليوم دورته العاشرة في العاصمة الإيرانية طهران.
وألقى الدكتور عباس صدري، مدير المكتب الإقليمي للإيسيسكو في طهران، كلمة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أعرب في مستهلها، عن بالغ التقدير للاحتفاء بالفيلسوف المسلم أبي نصر الفارابي، الذي وصل به النبوغ في العلوم والمعارف، والإبداع في الفكر والحكمة والفلسفة، إلى درجة أن عُرف بالمعلم الثاني، بعد الفيلسوف اليوناني أرسطو، المعلم الأول الذي تأثر به شديد التأثر، واقتفى أَثرَه في معظم آرائه الفلسفية، فكان ظهورُه وسطوعُ نجمه في سماء الفكر الإنساني في القرن الرابع الهجري، من تجليات الحضارة الإسلامية، التي ساهمت بشكل فعال وبإبداعاتها الباهرة، في إغناء الحضارات الإنسانية المتعاقبة.
وجاء في كلمة الإيسيسكو أن أبا نصر محمد بن محمد الفارابي، الذي ينتسب إلى بلدة (فاراب) التي توجد اليوم في جمهورية كازاخستان، كان عبقريةً مبدعةً خلاَّقةً فريدة، ارتقى إلى القمة بين نبغاء العالم في عصره وفي بيئته العلمية ومحيطه العربي الإسلامي الشاسع، حيث ازدهرت الحياة العقلية، وارتقت العلوم والمعارف، وفي العصور السابقة التي تألق خلالها الفلاسفةُ والحكماء والعلماء ونجوم الأدب والفكر والعرفان، في سماء المجد العلمي والفلسفي والإبداعي.
واستعرضت كلمة الإيسيسكو مؤلفات الفارابي، وجاء فيها أنه ألف في الفلسفة كتباً قـيّـمةً عدة، منها (كتاب الجوهر)، و(كتاب الزمان)، و(كتاب العقل والمعقول)، وفي المنطق أبدع مؤلفاتٍ رائدةً في هذا الحقل المعرفي، منها (كتاب العلم الطبيعي)، وأنه شرح (كتاب الآثار العُـلْويّة) لأرسطو بينما لابن رشد تلخيصٌ لهذا الكتاب، وللفارابي (كتاب النفس والعالم)، أما في السياسة والاجتماع فـلـه كتابه الشهير (آراء أهل المدينة الفاضلة)، و(السياسات المدنية)، و(جوامع السياسة)، وأبدع الفارابي في العلوم كتابه الفريد من نوعه (إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها) الذي قالت إنه يُعدُّ موسوعةً في علم البيبليوغرافيا فاق في قيمته العلمية ودقته الإحصائية، كتابَ ابن النديم (الفرست) الذي عَاصَرَهُ، كما نبغ الفارابي في الموسيقى نبوغاً لم يبلغه غيرُه، فألف كتابه (صناعة علم الموسيقى). وعدَّت الإيسيسكو هذه المصنّفات وغيرَها، فريدةً في مجالها غيرَ مسبوقة بأخرى تبلغ درجتها.
وجاء في كلمة الإيسيسكو أن أهل الاختصاص يعرفون أن مؤلفات الفارابي لم يصلنا منها إلا أربعون رسالة، منها اثنتان وثلاثون رسالة وصلت إلينا في أصلها العربي، وست رسائل وصلت إلينا مترجمةً إلى العبرية، ورسالتان مترجمتان إلى اللاتينية. وطُبع نصفُ مؤلفاته التي وصلت إلينا في أصلها العربي، في ليدن، وحيدر آباد، والقاهرة، وطهران، واستانبول، ومدريد، وبيروت.
وأضافت كلمة الإيسيسكو : (لسنا بصدد إحصاء الآثار العلمية الفـذّة التي خلفها لنا الفيلسوف الكبير أبو نصر الفارابي، وإنما قصدُنا أن نؤكد في هذه المناسبة، أن العقل المسلم نبغ نبوغاً مبكراً، فأبدع إبداعاً مبهراً، وأن الإسلام دينُ العقل والعلم، يحضُّ على طلب المعرفة، ويدعو إلى التعمّق في الفكر، ويحثّ على إعمال العقل وإجالة النظر والتحليق في سماء العلوم جميعاً دون استثناء. وكذلك كان دأب أبي نصر الفارابي الذي نحتفي به اليوم في هذا المهرجان الدولي، لنستحضرَ آثارَه التي أبدعها فأحسن الإبداع، ونسترجع أعماله التي خدم بها الإنسانية، فكان بحق، أحدَ رواد الفكر الإنساني النوابغ).
وجاء في الكلمة أيضاً : (لا يفوتنا ونحن نستحضر الخدمات العلمية الجليلة والإبداعات العقلية المستنيرة التي قدمها الفارابي إلى الإنسانية، أن نذكر أن العقل المسلم يتعرّض خلال المرحلة الحالـيّـة من التاريخ، لهجمات شديدة الضراوة؛ فالإسلام يُـقْرَنُ بالإرهاب، والمسلمون متهمون بالإرهاب، والعالم الإسلامي يُوصف لدى قطاع واسع من الرأي العام العالمي، بأنه مأوى للإرهاب. وتلك افتراءات مغرضة، وشبهات ظالمة، وأباطيل يقوم أعداء الإسلام وخصومُ السلام بالترويج لها على نطاق عالمي واسع. وفي ذلك إطلاق العيار للفوضى العارمة الهدّامة التي يوهموننا أنها فوضى بناءة).
وأضافت : (ها هو فيلسوفنا الفارابي، الذي كان ولا يزال، قمةً في النبوغ والإبداع، يثبت للعالم أجمع، أن الحضارة الإسلامية حضارةٌ إنسانيةٌ مبدعةٌ للفكر الباني للتقدم، وأن العقل المسلم عقل مستنير بأنوار الوحي الإلاهي، وأن العلماء والفلاسفة والحكماء والمبدعين المسلمين عبر العصور، ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية بمشاربها المتعددة ومصادرها المتنوّعة، وأن ما يروج في هذا العصر من اتهامات مغرضة عن المسلمين في الماضي والحاضر، لا أساس لها من الصحة إطلاقاً، فما هي إلا انعكاس لنوازع الكراهية، ولضغائن العنصرية، وللعداء المستحكم والمتوارث للإسلام عقيدةً وثقافةً وحضارةً).
واستطردت : (إنّنا إذا نظرنا إلى الفارابي العالم الموسوعي الفيلسوف، من هذه الزاوية، ينفتح أمامنا مجال واسع لتطويـر الدراسات الإنسانية، ولإغناء البحـوث الفلسفية والعرفانية، يجدر بنا أن نُوليه بالغ الاهتمام، من أجل تجويد البحث العلمي في هذه الحقول المعرفية، للدفع بدورة حضارية إسلامية جديدة إلى الأمام، في أفق تجديد الحضارة الإنسانية المعاصرة، وتحديث الفكر الإنساني العالمي).
واختتمت كلمة الإيسيسكو بالإشارة إلى أن هذا حقلٌ معرفيٌّ بالغُ القيمة عظيمُ الأهمية، وأنه جديرٌ بالمسلمين في هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي يجتازها العالم الإسلامي، أن يثبتوا فيه حضورَهم، وأن يساهموا في بنائه وإغنائه وتجويده.